الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

تعب تحت الصفر


ما اذكره أنني دخلت الى عملي والشمس مزروعة في وسط السماء ... والأن ها أنا ذا أخرج من عملي ولا أكاد أرى أمامي من شدة السواد المنتشر في الخارج ... وكأن عمّانَ قد ارتدت عباءةً سوداءً وجمعت بداخلها نجومها وقمرها وكل شيء حيّ الجوُ هاديٌ ، والهواءُ ساكنٌ.. الهدوءَ يلجمُ المكانَ.. ولا أثرَ لوجودِ مواصلات للوصولِ إلى البيت.. !! مصيبةٌ جديدة... أمشي على قدمّي .. لأجد نفسي حراً.. الآن لم يعد هنالك ما يلزمني للعمل أو للبقاء في بقعة ضيقة لأعمل 8 ساعات أضافية فمنذ عشرة دقائق كنت قد أنجزت 8 ساعات أنا أشعر الآن بأنني سأهوي وبأية لحظة ** التعب شيء مؤلم مثل آلم الأسنان تماما..!!
الشارع يكاد يخلو من كل شيء سوى الملل والخوف ... الأسواق مقفلة والشوارع نائمة حتى رجال الامن في تلك الليلة تناولوا أقراص للنوم فناموا...
أتجاوز كل تلك الاشياء ... وأبدأ بالتفكير بما سأضعه في تلك المعدة الفقيرة المسكينة الخاوية ..التي يمكنها أن تهضم كل ما يقدم لها والتي لا يأتيها إلا القليل الرديء.. لذا قررت أن أنقذها بشيء يسكت جوعها .. وأريد الآن أن أودها أكثر .. سأقدم لها شيئا شهياً يرضي فضولي.. لكن لا أعلم ماهو؟
الساعة تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل ... والجوع ما فتئ يزداد ... والمنطقة تزداد قفراً..ً ليس هناك دليل يثبت بأن المنطقة تلك كانت قبل ساعات قليلة ملأى بالحياة والحركة! ... أسلك الطريق الأول علني أجد ما أريد .. الشارع الطويل والتعب يزداد في جسدي وخصوصا في قدمّي .. الأسوأ من كل ذلك أن المطاعم كلها كانت مغلقة وأظن بأن أصحابها باتوا ليلتهم متخمين.. ولا ينتابهم أدنى تفكير بالجوع ولا حتى بأصحابه... الفكرة التي دارت برأسي انتهت وجاءتني فكرة أن التعب أوقح وجعاً من الأسنان .. تأكدت الآن.
في الطريق بقايا سيارات تتجول في الليل ويخدش صوتها هدوء الشارع ... أنظر نحوها وأنا مهتم بان الفت نظر من بداخلها علّه يسألني إلى أين طريقك؟.. فالطريق ما زالت طويلة والتعب مازال يلازمني.. لكن لاحياة لمن تنادي .. هل اختفت النخوة من الناس .. أم أنه الخوف من المجهول .. والسماع القصص الكثيرة عن مجرمي الليل هو ما جعلهم لا يعيروني أدنى اهتمام .. على كلا الأمرين الإجابة لا تفيد والسير على الاقدام لا بد منه .
في الطريق الذي أسلكه ومن بعيد يتضح لي أن هنالك بضعة أناس متجمعين أمام مطعم كنت قد جمعت الامل عليه بعدما خاب الأمل في العثور على غيره من المطاعم النائمة.. اسرعت الخطى قبل أن يغلق أبوابه ، عندما وصلته رأيت أن العمال يغسلون آلة شيّ الدجاج المركونة جانب الطريق، وأحدهم في الداخل يقوم بتجميع الصحون وقد قام بسكب كمية كبيرة من الطعام المتبقي من وراء الزبائن على الطاولة .. ألقيت التحية على من هم حولي ... ولاحظت أن جميعهم من العمال الوافدين، يبدو لي أنهم طيبون.. سألتهم عن أي شيء يمكن شراؤه من الطعام .. فقد احتل الجوع مني كل خلية في جسدي.. لم أتلقَ سوى النفي .. وبكل رجاء أقول لهم
- (دخيل على ولاياكو .. بدنا إشي نتعشاه) ..
يجيبني أحدهم بأنه لايتوفر إلا دجاجا مشوياً "فروج" إلا أنه بارد ، ليس طازجاً.. لأستنتج بعدها بأن الماكينة التي كانوا يغسلونها تعود لهذا الدجاج المشوي .
أقبل إجابته بكل ود وأشرح له وبكل كذب ، بأنني أحب الدجاج البارد ، مع أني أقسم بالله أنني لا أحب الدجاج على الحالتين ..أصلا أنا لا أكل الدجاج نهائيا ولكن الجوع كافر!!..


أطلب ما أريد , يضعه العامل في كيس من الورق مع حبات مخلل قليلة ، أدفع ثمنه للبائع وهو ثلاثة أرباع ما قد حصلت عليه من عملي الذي تجاوز الـ 8 ساعات . للعلم فقط هذه النقود هي كل ما أملك في حياتي ، بمعنــى أنها " تحويشــة العــمر ".. أفكر من جديد هذه قسمة غير عادلة فما نتعب بجنيه في ثلث اليوم يذهب عند صاحب المحل في ثلاث دقائق.. قسمة غير عادلة لا تستحق الاحترام ودنيا لا تستحي من نفسها ولا تستحق التقدير .. لكن لايهم فيجب أن أشبع ، هذا ما أفكر به الأن .
أضع الكيس بين يدي ، اشكر أصدقائي العمال وأنصرف.. أعاود البحث في السيارات المتواجدة في الشارع ، لا أمل في أن أجد من يقلني ،أكمل المسير وأنا فرح بأن الجزء الأول والمهم قد تحقق وهو العشاء .. رغم أن السير على الأقدام وبهذه الوقت شيء مقرف.
بعد عشرين دقيقة من المشيً..ها أنا ذا أقف أمام البيت أبحث عن المفتاح لكي أدخل.. لا أخفي على نفسي ولا على أحد أيضا بأنني لم أقم بتغير ملابسي وتغسيل جسدي ويدي .. ولا أقم أيضا بتغير الجرابين مثل باقي الناس الراقية المحترمة.. بمعنى أني لم أفعل عند دخولي البيت أي فعل يدل على كوني إنسانا محترما.. ما فعلته هو خلع الحذاء فقط.
وضعت العشاء بجانب السرير وتمددت لكي التقط شيئا من الراحة من ذلك السير اللئيم ولألتقط أنفاسي قليلا.. لأستيقظ بعدها وأجد أن الشمس قد أشرقت منذ وقت طويل وقد حان وقت الظهيرة . ولأسمع صوت من بعيد أعشقة صوت أمي تدعو لي وتقـــــــول " الله يرضى عليك يا عامر على الفطور إلي جايبو لإخوانك والله كنت ماكله الهم شو بدي أفطرهم بس لو إنك خليتهم بالثلاجة كان أحسن..!!
ابتسمت من على سريري وأدرت بجسدي الى الجهة الاخرى وأكملت نومي . عدت للنوم وفي ذهني يتردد سؤال ، منذ متى نحن في البيت نفطر دجاجاً ؟.


حمــزة مــازن تفاحــة
Tuffaha4@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق